مدينة لا تنام.. وطفلٌ لم يكبر بسلام
عن القاهرة،وعن ذلك الطفل الذي شاخ قبل أوانه.
القاهرة | مساء ٢٦ مايو
في جلسة الكتابة اليومية لليوم، شعرتُ برغبةٍ مُلحّة في الكتابة عن جرح الطفولة النازف فينا. شعرتُ بأنني أرغب بقول الكثير حول هذا الأمر؛ لذا، في كل نص كتبته اليوم – رسالةً كان أم مقالًا – كانت هذه فكرته وغايته.
بعدها، كان يجب عليّ الذهاب لإحضار طعام صغاري “القطط”، ووجدتُ أنها فرصة لأُطلق فيها قدميّ، لتنطلق الكتابة بدورها في عقلي بعد أن شارفت على الاضمحلال.
وهذه فكرة أخذتها من مقالٍ قرأته منذ سنوات، لا أذكر اسمه ولا كاتبته، لكن أذكر أنها قالت:
“أنا أكتب في عقلي حين أمشي، أكثر مما أكتب على الورق.”
وهنا وجدتُ أنني أُشبهها كثيرًا.
عندما خرجتُ من بوابة العمارة، شعرتُ بهواء الربيع يعانقني. كان لطيفًا، ناعمًا، وحنونًا جدًا.
السماء كانت غائمة، والشمس شارفت على الوداع، وضوضاء القاهرة التي ألفتها وأحببتها، كانت حاضرةً كعادتها.
أحب الخليط الثقافي الموجود هنا؛ ففي أكثر الأحياء شعبية، ترى وجوهًا مختلفة، وتتبادر إلى سمعك لغاتٌ عدّة، ربما تسمعها لأول مرة: السودانية، الصومالية، الروسية، الإندونيسية، السورية، وغيرهم كثير.
كنتُ أمشي طوال الطريق إلى محل بيع الدواجن، وأنا أشعر بي داخل روايتي التي لم أكتبها بعد.
أحب الكيفية التي يصبح فيها كل شيء حولي سطرًا بديعًا، ينتظرني لأكتبه.
بعد ممارسة الكتابة لأيامٍ متواصلة، تتدفّق الكلمات من بين أصابعي كتدفّق شلالات نياجرا.
بينما كنتُ أتأمل الناس، لمحتُ طفلًا سودانيًا كان يجلس في مؤخرة عربةٍ يقودها طفلٌ مصري – وهذا شيء لا تراه إلا في مصر.
لفت انتباهي انسيابُ دُخانٍ من بين أصابعه.
دُهشت، وعندما رأى نظرات دهشتي تتنقّل بين يديه ووجهه، ارتبك، وأخفى السيجارة.
أكثر ما جعلني أضطرب هو أنني أعرفه… أعرف وجهه جيداً
قبل أشهرٍ تقريبًا، بينما كنتُ أجلس في جلسة خارجية لمحل بيع عصائر طبيعية، جاءني هذا الطفل وبرفقته طفلٌ آخر، طلبا أن ألتقط لهما صورة، بعدما رأياني أُصوّر الغروب.
التقطتُ لهما الصورة، أريتهما إيّاها، قالا إنها جميلة، ومضيا في سبيلهما.
كانت هيئتهما تشي بطول الطريق الذي قطعاه من السودان وحتى هنا.
كان غبار الخوف والجوع ما زال عالقًا بهما، وكل جراح الطفولة النازف ظاهرة عليهما، لكن البراءة كانت لا تزال لامعة في عينيهما.
لكن اليوم، عندما رأيته، شعرتُ به شاخ فجأة.
وهذا بالتحديد ما يفعله الشقاء المبكر في حياة كل طفل.
أخذتُ الدجاج ومضيتُ في طريقي أتأمل القاهرة – كما أحب أن أفعل دائمًا – ازدحامها، فوضويتها، تلقائيتها التي تمنح كل أيامي هنا نكهتها الخاصة.
في لحظات تأملي هذه، تتملكني رغبة بغرس جذوري عميقًا هنا، والبقاء إلى الأبد.
بينما كنتُ غارقةً في تأملي ذاك، وأنسج كلماتي هذه في مخيلتي، لم أنتبه للكلب الضخم الذي يحثّ الخطى خلفي، بحماس، واللعاب يسيل من أنيابه.
لقد شمّ رائحة الدجاج الذي كنتُ أحمله.
عندما نظرتُ خلفي، غاص قلبي وتجمدتُ مكاني.
رغبتُ في الهروب، لكن أطرافي كانت ترتعد.
رآني سائق توك توك، قال لي:
“متخافيش!”
وابتسامة كانت مزيجًا من المرح والحنية ترتسم على وجهه.
لكن كيف لا أخاف؟
والمنزل ما زال بعيدًا؟
وعشرات الكلاب تفصلني عنه؟!
على كلٍّ،
أحب الشعب المصري.
وقد يضحك البعض إن قلتُ إنني وسط ضوضاء القاهرة وفوضويتها، أشعر بأمانٍ دافئ، ينبع من إدراك فحواها:
إن حاول واحدٌ إيذائي، ستقف عشرة في وجهه.


روعة يا مأوى👌🏻كتاباتك تلامس القلب عزيزتي واستمري
ردحذفحبيت سلمت اناملك 🤍🥰
ردحذفأنا دموعي نزلت ، الكلام عمييق لدرجه أنك تحسين أنه اللي عاشه هو أنا مو أنتي ، الله يامأوتي ياكاتبتي المفضله😔💛💛
ردحذفحلو 🥹🤍🤍
ردحذف